مرت قرية سيدي الهاني بجميع الأطوار التاريخية و الحضارات التي استقرت بالبلاد التونسية، بدءا بالفترة القديمة، مرورا بالفترة العربية الاسلامية، وصولا إلى الفترة الاستعمارية المعاصرة .
1) الفترة البربرية:
نظرا لأهمية موقع سيدي الهاني و قربها من القيروان وسوسة, فقد كانت هذه المنطقة حسب المعطيات الأثرية آهلة بالسكان منذ العصور القديمة. فقد أثبتت بعض المواد والآثار المستخرجة بالجهة من قبل الباحثين أن الوجود البشري يعود إلى الحضارة القبصية والبونية. فقد وجدت بعض الرماديات بواد همدان و وجود رمادية بهنشير رمادة حيث انتصب دوار اولاد الخشين ترجع الى عصور ما قبل التاريخ وصولا إلى ضفاف البحيرة التي تحتوي على أدوات حجرية و بقايا العظام وأدوات مستعملة في الأضرحة ا لتي تعود إلى فترات ماقبل التاريخ ولئن كانت هناك بعض المنازل فقد إضمحلت لأن سكان الجهة إعتمدوا قديما على البناء بالطين
2)الفترة الرومانيّة:
كانت سيدي الهاني خلال الفترة الروماني ة تس م ى "فيكوس أوغستي " Vicus Augusti نظرا لقربها من ساحل البحر, فقد كانت محطة عبور ونقطة ربط بين القرى الداخلي ة والمدن والقرى الساحلي ة في العهد الروماني. وقد مكنتها شبكة الطرقات الما رة بها بحيوي ة الأنشطة الاقتصادية م ن الاضطلاع بهذا الدور الريادي بكامل جهة الساحل.قد ربطت هذه القرية مع أهم القرى والمدن الرومانية مثل: حضرموت " Hadrumète " و الج م " Thysdrus " و القيروان " Aquae Regia " و سبيطلة " Sufeitula "علاقات وطيدة . وحسب الحفريات والنقائش اللاتينية فإ ن بعض المنشآت تعود إلى القرن الأول قبل الميلاد وتحديدا إلى فترة حكم "أنطونا لوبيو 86 - 161 ق.م" Antonin Le pieux ومازالت هذه الجهة تزخر بالمواقع والمنشآت الأثرية الرومانية التي بلغ عددها حوالي 125 موقعا، و تختلف آثارها بين المنازل و المعابد و المواجل و الحمامات ويوجد في الموقع القديم "فيكوس أغستي" مسرح نصف دائري وبعض الأضرحة.
كما توجد حول السبخة عدة بقايا أثرية وفي مقدمتها شقف الجرار التي كانت تستعمل في نقل الماء أو الملح. وعلى ما يبدو كانت القرية، شأنها شأن بقية القرى الرومانية منظمة ومهيئة. ويعود هذا التنظيم إلى ربطها بين الطرق المحورية الداخلية من جهة، والساحلية من جهة أخرى.
أ) الطرقات الرومانية بسيدي الهاني:
كانت الإمبراطورية الرومانية محكمة التنظيم في جميع المجالات وتأتي في مقدمة هذه المجالات شبكة الطرقا ت. وكان بناء طريق رومانية يبدأ بقيام العملة بتهيئة الطريق وتسويتها وبعدها توضع طبقة سميكة من الحجارة ثم طبقة من التراب الناعم المتماسك . ثم توضع طبقة من الحصى الحجري المتساوي ثم توضع سطحة منتظمة من قوالب الحجارة المسطحة المتساوية حجما وشكلا يقع لحمها بلبن من الجبس القوي .ولكن هذه المراحل تختلف بإختلاف نوعية الأرض وصلابتها وطبيعتها والمواد المعد ة للتعبيد . وكان يشرف على هذه العملية الدقيقة مهندسو طرق مختصون . وتختلف الطرق الرومانية من منطقة إلى أخرى . ولكن الاتقان والصلابة والصمود هو الجامع بينها. وكانت قرية "فيكوس أوغستي" موصولة بشبكة طرقات منظمة تربطها بأهم المدن في ذلك العهد. و من أه م هذه الطرقات الطريق الما رة بين "سيدي الهاني و سوسة" "سيدي الهاني والجم" "سيدي الهاني و القيروان" سيدي الهاني و سبيطلة "
وقد ساهمت كل هذه الطرقات بشكل كبير في نقل السلع و البضائع من حيوانات و عبيد التي كانت تجلب من إفريقيا إلى مسرح الجم أو إلى روما عبر البحر. كما مكنت هذه الطرقات من إعطاء هذه القرية حرك ي ة هامة وهذا ما تشهد به الآثار و البقايا الرومانية في أكثر من 125 موقع أثري
ب( المنشآت المعمارية:
برعت الحضارة الرومانية و تميزت بمنشآتها المعمارية و تفننت في عدة منشآت لا تزال قائمة إلى اليوم.وبالنسبة لقرية "فيكوس أوغستي"، أي سيدي الهاني فقد احتوت على عدة مباني من أه مها :
❖ المسرح:
يوجد المسرح وسط الموقع الأثري القديم "فيكوس أوغستي". و يبلغ قطر ركحه 25 م ويتجه حائطه نحو الشمال. و قد اضمح ل جزء من المدارج ولم تبق منها إلا الأقباء والجدران الحاملة لها
❖ الحمامات:
تحتوي جهة سيدي الهاني على أربع حمامات تعود إلى الفترة الرومانية. و قد اندثر معظمها ولم يبق منها سوى بعض الأطلال التي تشهد على وجودها. وعلى شمال المسرح داخل البساتين يمكن مشاهدة بقايا لثلاثة حمامات محدودة الأبعاد ويمكن دراستها بدقة من خلال وجود بقايا فسيفساء و رخام.
وكانت للحمامات مكانة هامة في العهد الروماني إذ يتوافدون إليها فيقومون أولاً بالتمارين الرياضية ومن المعروف أن يمر المستحم بجميع الغرف فبعد أن يخلع
ملابسه, و له أن يمكث قليلاً في غرفة المياه الباردة أو غرفة المياه الفاترة ويدخل بعدها إلى غرفة المياه الحارة حيث يرتفع البخار فيساعد على إفراز العرق من البدن وفيهذه الغرفة عدة أفران ومغاطس مملوءة بالماء الفاتر والماء الحار ليغطس فيها من يشاء وجرت العادة أن يعود المستحم إلى أخذ حمام بارد قبل الخروج من الحمام .
ج( المنشآت الجنائزية:
لقد أحصى الباحثون بهذه الجهة عدة منشآت جنائزية رومانية و بونية. و قد بلغ عدد الأضرحة خمسة، أ ما عدد المقابر فقد بلغ 23 وهي موجودة في مواقع متباعد.
❖ الأضرحة:
عُرف الرومان بإقامة أضرحة في عدة مدن و قرى و من أهم هذه الأضرحة في هذه الجهة ذلك الضريح الموجود على بعد خمسمائة متر تقريبا من المسرح. وهو ضريح كبير يعرف ب " بقصر الطلقة " kasr talga . وقد بُني بالدبش ويحيط به سياج مرب ع الشكل ضلعه 15،50 م وقد انهار جزء منه. ويمكن أن يكون سياج إحدى المقابر لمدينة سيدي الهاني القديمة.
وقد كان هذا الضريح موضوع عدة دراسات من قبل الباحثين في الآثار، من أبرزهم: "هنري سالادان " Henri- Jules SALADIN ( " 1853 - 1923 ( و " ريني كانيا" " René CAGNAT " ( 1852 - 1937 (في سنة1882
❖ المقابر:
توجد بالمنطقة عدة مقابر تعود إلى فترات مختل فة منها ما يعود إلى بداية فترة ما قبل التاريخ، أي الحضارة القب صية و منها ما يعود إلى الحضارة البونية ومنها ما يعود للففترة الرومانية. وتختلف هذه المقابر من حيث شكلها و مضمونها.
فنجد القبور الصندوقية المبنية بالدبش و القبور المحفورة التي تحتوي على رماديات و عظام موتى و قرابين و بقايا الجرار و المصابيح و المبخرات وبعض الأواني التي كانت تستخدم لإتمام الطقوس الجنائزية
و مازالت بعض القبور موجودة إلى حد الآن, لكن شأنها شأن جل المواقع الأثرية بالجهة وبعديد الجهات الأخرى من البلاد التي نبشت واستخرجت من باطن أرضها عدة قطع أثرية من قبل مهر بي الآثار .
د( المنشآت المائيّة:
برع الرومان في بناء المنشآت المائية للتصرف واستغلال المياه المتأ تية من مياه الأمطار و الأودية. ولا تزال عدة أحواض و خزانات يعود تاريخ بنائها إلى الفترة الرومانية و يبلغ عددها 35 منش ئة بسيدي الهاني
و تعتبر هذه الخزانات العنصر الحيوي لإقامة مدينة رومانية وشاهدا على ما بلغه هؤلاء من قدرة فنية وعلمية على تجميع الماء و نقله ثم تخزينه و توزيعه فيما بعد. و قد حافظت هذه المباني على تماسكها، و ذلك لقوة بنائها و التقنيات المختلفة المستخدمة في بنائها. و هذا ما يوضح وجود بعض المعالم مستعملة إلى يومنا هذا في بعض المناطق من آبار وفسقي ات وأحواض وقنوات وغيرها...
حسب الخارطة الوطنية للمواقع الأثرية التي تولى المشرفون عليها لتحديد وجرد أغلب هذه المنشآت من صهاريج و أحواض، يوجد مثلا في "واد العوجة" صهريج إسطواني الشكل عمقه 8 أمتار .
ونجد أكبر المواجل المس مى بماجل " بن تركية" و هو ماجل يضم عدة أحواض للتصفية. و على ما يبدو كان محكم البناء و التنظيم من خلال مد القنوات
لتصريف المياه و الهندسة التي تبدو عليه. و تعتبر سيدي الهاني منذ الفترة القديمة جهة ذات أهمية استراتيجية وعمرانية. وتظهر هذه الأهمية من خلال كثرة الآثار والمنشآت التي تعود إلى فترات مختلفة و خاصة منها الفترة القديمة والتي ت م استخراج البعض منه ا 1 .
د) الأثار المستخرجة من سيدي الهاني:
تعتبر جهة سيدي الهاني من المناطق التي تحتوي على عدة مواقع أثرية و تاريخية كغيرها من عديد جهات ولاية سوسة و البلاد التونسية. ل ذلك كانت ولا تزال
قبلة للباحثين ومه ربي الأثار. و قد ساهمت هذه الجهة في إضفاء بعض الحقائق التاريخية الجديدة حول حضارة و تاريخ البلاد التونسية. وقد تمكن الأثريون من استخراج بعض اللقى الأثرية ونقلها لتعرض في بعض المتاحف التونسية و حتى الأوروبية . ومن هذه اللقى الأثرية, منها ما هو معروض في متحف سوسة الأثري ومنها ما هو معروض بمتحف باردو و متحف اللوفر ببارس. و قد دُرست بعض هذه اللقى الأثرية من قبل الباحثين الذين قدموا دراسات ضافية حول الخصائص الفنية لهذه ال ل قى الأثرية. و من أبرز هذه اللقى لوحة فسيفساء للإلاه البحار الموجودة في متحف باردو.
❖ لوحة فسيفساء تمثل إلاه البحار:
عُثر على هذه اللوحة بسيدي الهاني سنة 2007 و هي الآن معروضة بمتحف باردو الأثري وتبلغ أبعادها: 45 على 65 صم .
وقد وجدت هذه التحفة سنة 1978 ورقمها 3564 ويبلغ ارتفاعها 0،11 م وعرضها 0,8 م و بدو هذا الأخير أنه من الرخام ويظهر وهو يحمل يديه أغصان لشجر النخيل وهي معروضة بمتحف باردو.
نصب شخصية مقدسة: " Stèle à personnage sacrifiant ." هذا النص ب ذو أبعاد مختلفة. وقد عثر عليه سنة 1898 من قبل " Don Gallène " وهو مهدى إلى الإله ساتورن " Dieu Saturne ". وتم ث ل هذه القطعة شخصية مقدسة تقدم الشكر للإله.
كما نجد قطعة أخرى معروضة بمتحف سوسة وهي :
❖ منحوتة لشخصية أنثوية " Stéle personnage féminin . وجدت هذه القطعة في سيدي الهاني منذ سنة 1899 . ويبلغ طولها حوالي 0،23 متر وعرضها 0،18
متر.
